تُعدّ ظاهرة سكن المقابر في القاهرة، لا سيما في "المدينة الميتة" جنوب شرق العاصمة، واحدة من أكثر التحولات الحضرية إثارةً للجدل من الناحية الاجتماعية والبيئية. فبينما ينظر البعض إلى هذا الاستخدام كحلٍّ تلقائي لأزمة الإسكان، يُحذّر خبراء البيئة والصحة العامة من تداعيات خطيرة تطال جودة الهواء، المياه، التربة، بل وحتى صحة السكان أنفسهم. فالمقابر، بوصفها فضاءً جنائزيًّا، لم تُصمّم أبدًا لتحمل كثافة سكانية أو أنشطة معيشية يومية، مما يجعل تحويلها إلى أحياء سكنية تهديدًا مزدوجًا: للتراث من جهة، وللصحة العامة من جهة أخرى.
التلوث البيئي: بين غياب البنية التحتية وازدحام السكان
أحد أبرز مصادر الخطر في "المدينة الميتة" هو غياب شبكات الصرف الصحي المنظمة. فمع تزايد عدد السكان—الذين يُقدّر عددهم بأكثر من 50 ألف نسمة—أصبحت الحفر الامتصاصية البدائية هي الحل الوحيد للتخلص من مياه الصرف، مما يؤدي إلى تسرب هذه المياه إلى التربة المحيطة، وربما إلى المياه الجوفية. ونظراً لأن المقابر تقع غالبًا على ارتفاعات جيولوجية قريبة من مناطق سكنية أخرى، فإن هذا التسرب يهدد النظام البيئي الأوسع.
كذلك، يؤدي استخدام مصادر طاقة غير منظمة—كالحطب أو الفحم أو المولدات الكهربائية—إلى تلوث الهواء داخل الأزقة الضيقة، ما يرفع مستويات ثاني أكسيد الكربون والجسيمات الدقيقة (PM2.5)، وهي عوامل معروفة بتأثيرها السلبي على الجهاز التنفسي، خاصة لدى الأطفال وكبار السن.
المخاطر الصحية: من الأمراض المعدية إلى الضغط النفسي
لا تقتصر المخاطر على البيئة الطبيعية، بل تمتد إلى الصحة العامة للسكان. فغياب النظافة، وازدحام المساكن، وقلة التهوية في المقابر المحوّلة إلى بيوت، تخلق بيئة خصبة لانتشار الأمراض المعدية مثل التهاب الكبد الوبائي، والتيفود، والجرب. كما أن غياب الرعاية الصحية الأولية في هذه المناطق يفاقم من خطورة الحالات المرضية البسيطة التي قد تتحول إلى أزمات صحية حادة.
وإلى جانب الجوانب الجسدية، تبرز مشكلة الصحة النفسية. فرغم اعتياد السكان على العيش بين القبور، إلا أن الدراسات النفسية تشير إلى ارتفاع معدلات القلق والاكتئاب بين الأطفال والنساء، نتيجة الشعور الدائم بالوصمة الاجتماعية، وغياب الخصوصية، وغياب الأمل في تحسين الظروف المعيشية.
التناقض الحضري: عندما يُستخدم الفضاء الجنائزي كحل سكني
المفارقة الكبرى تكمن في أن الدولة تسعى اليوم إلى تطوير "المدينة الميتة" كموقع تراثي وسياحي، بينما تتجاهل في الوقت نفسه الجذور الهيكلية لأزمة السكن التي دفعت الناس إلى هذا الفضاء. فالحلول الجزئية—كإخلاء بعض الأسر دون توفير بديل—لا تعالج المشكلة، بل تنقلها إلى مناطق هامشية أخرى، غالبًا ما تكون أكثر فقرًا وعزلة.
وفي المقابل، تبرز الحاجة إلى رؤية وطنية شاملة تدمج بين الإسكان الاجتماعي، والتخطيط الحضري المستدام، وحماية التراث. وجزء أساسي من هذه الرؤية هو تعزيز ثقافة التخطيط المسبق للدفن في مواقع مرخصة ومنضبطة، تُجنّب المجتمع كوارث بيئية وصحية مستقبلية.
الحلول المعاصرة: من الفوضى إلى التنظيم البيئي
في هذا السياق، تُعدّ مقابر العين السخنة نموذجًا معاصرًا يراعي الاعتبارات البيئية بدقة. فالموقع الصحراوي الجاف، والتربة الرملية المتماسكة، والبعد عن المناطق الصناعية، كلها عوامل تقلل من خطر التلوث وتحافظ على سلامة البنية التحتية للمدافن. كما أن أنظمة الصرف الآمنة، واستخدام مواد بناء صديقة للبيئة، واعتماد ممارسات البناء المستدام، تجعل من هذه المدافن خيارًا صحيًّا وآمنًا على المدى الطويل.
التخطيط المسبق كاستثمار في الصحة العامة
لمن يقطن في قلب العاصمة ويرغب في خيار قريب ومرخص، تُعدّ مقابر محافظة القاهرة للبيع فرصة لاختيار مثوى يراعي الجوانب الصحية والبيئية. فالمقابر الحديثة في مناطق مثل المقطم أو 15 مايو أو مدينة نصر تُبنى وفق معايير بيئية صارمة: عزل ضد الرطوبة، تهوية طبيعية، مواد مقاومة للعوامل الجوية، وخدمات صيانة دورية تضمن بقاء المكان نظيفًا وآمنًا.
خاتمة: من التدهور إلى الاستدامة
التحدي الحقيقي لا يكمن في إخلاء السكان من المقابر، بل في منع تكرار الظاهرة من خلال توفير بدائل سكنية كريمة، وتعزيز ثقافة الدفن المنظم. فالمقبرة ليست مجرد مكان للدفن، بل جزء من النظام البيئي الحضري، ويجب أن تُدار بمعايير علمية وصحية. وفي هذا الإطار، يصبح التخطيط المسبق—في مواقع مرخصة ومنظمة—استثمارًا ليس فقط في كرامة الموتى، بل في صحة الأحياء وسلامة البيئة.
ولمن يبحث عن بوابة موثوقة لاستكشاف هذه الخيارات، تُعدّ منصة مقابر للبيع مصدرًا شاملاً يجمع بين الخبرة الفنية، والشفافية القانونية، والتوجيه البيئي والشرعي، لمساعدة العائلات على اتخاذ قرارٍ يليق بكرامتهم ويحمي صحتهم وصحة أحبّتهم.
بهذا، تبقى "المدينة الميتة" في القاهرة تذكيرًا صارخًا بأن التنمية الحقيقية لا تُبنى على تجاهل البيئة أو تهميش الإنسان، بل على التوازن بين الذاكرة، المكان، والمستقبل الصحي للجميع.